قوله تعالى: {والنازعات} فيه سبعة أقوال:أحدها: أنها الملائكة تَنْزِعُ أرْواح الكفَّار، قاله علي، وابن مسعود. وروى عطية عن ابن عباس قال: هي الملائكة تَنْزِع نفوسَ بني آدم، وبه قال مسروق.والثاني: أنه الموت يَنْزِع النفوسَ، قاله مجاهد.والثالث: أنها النفس حين تُنْزَعُ، قاله السدي.والرابع: أنها النجوم تَنْزِع من أُفُق الى أُفُق تطلع ثم تغيب، قاله الحسن، وقتادة، وأبو عبيدة، والأخفش، وابن كيسان.والخامس: أنها القِسِيّ تَنْزِع بالسَّهم، قاله عطاء، وعكرمة.والسادس: أنها الوحوش تنزع وتنفر، حكاه الماوردي.والسابع: أنها الرُّماةُ، حكاه الثعلبي.قوله تعالى: {غرقاً} اسم أقيم مقام الإغراق. قال ابن قتيبة: والمعنى: والنازعات إغراقاً، كما يغرق النازع في الفوس، يعني أنه يبلغ به غاية المد.قوله تعالى: {والناشطات نشطاً} فيه خمسة أقوال.أحدها: أنها الملائكة. ثم في معنى الكلام قولان. أحدهما: أنها حين تنشط أرواح الكفار حتى تخرجها بالكرب والغمِّ، قاله علي رضي الله عنه. قال مقاتل: ينزع ملك الموت روح الكافر، فإذا بلغت ترقوته غرقها في حلقه، فيعذِّبه في حياته، ثم ينشطها من حلقه أي: يجذبها كما ينشط السفّود من الصوف المبتل. والثاني: أنها تنشط أرواح المؤمنين بسرعة، كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنها، قاله ابن عباس. وقال الفراء: الذي سمعته من العرب: كما أُنْشِط من عِقَال بألف. تقول: إذا ربطت الحبل في يد البعير: نشطته، فإذا حللته قلت: أنشطته.والقول الثاني: أنها أنفس المؤمنين تنشط عند الموت للخروج، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وبيانه أن المؤمن يرى منزله من الجنة قبل الموت فتنشط نفسه لذلك.والثالث: أن الناشطات: الموت ينشط نفس الإنسان، قاله مجاهد.والرابع: النجوم تنشط من أفق إلى أفق، أي: تذهب، قاله قتادة، وأبو عبيدة، والأخفش. ويقال لبقر الوحش: نواشط، لأنها تذهب من موضع إلى موضع. قال أبو عبيدة: والهموم تنشط بصاحبها. قال هميان بن قحافة:أَمْسَتْ همومي تَنْشِط المنَاشِطَا *** الشَّامَ بي طَوْراً وطَوْراً وَاسِطَاوالخامس: أنها النفس حين تَنْشط بالموت، قاله السدي.قوله تعالى: {والسابحات سبحاً} فيه ستة أقوال.أحدها: أنها الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين، قاله علي رضي الله عنه. قال ابن السائب: يقبضون أرواح المؤمنين كالذي يسبح في الماء. فأحياناً ينغمس، وأحياناً يرتفع، يسلُّونها سلاً رفيقاً، ثم يَدَعُونها حتى تستريح.والثاني: أنهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين، كما يقال للفرس الجواد: سابح: إذا أسرع في جريه، قاله مجاهد، وأبو صالح، والفراء.والثالث: أنه الموت يسبح في نفوس بني آدم، روي عن مجاهد أيضاً.والرابع: أنها السفن تسبح في الماء، قاله عطاء.والخامس: أنها النجوم، والشمس، والقمر، كل في فلك يسبحون، قاله قتادة، وأبو عبيدة.والسادس: أنها الخيل، حكاه الماوردي.قوله تعالى {فالسابقات سبقاً} فيه خمسة أقوال:أحدها: أنها الملائكة. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال. أحدها: أنها تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، قاله علي، ومسروق. والثاني: أنها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، قاله مجاهد، وأبو رَوْق. والثالث: أنها سبقت بني آدم الى إلإيمان، قاله الحسن.والقول الثاني: أنها أنفس المؤمنين تسبق الملائكة شوقاً إلى لقاء الله، فيقبضونها وقد عاينت السرور، قاله ابن مسعود.والثالث: أنه الموت يسبق إلى النفوس، روي عن مجاهد أيضاً.والرابع: أنها الخيل، قاله عطاء.والخامس: أنها النجوم يسبق بعضها بعضاً في السير، قاله قتادة.قوله تعالى: {فالمدبِّرات أمراً} قال ابن عباس: هي الملائكة. قال عطاء: وُكِّلتْ بأمور عَرَّفهم الله العمل بها، وقال عبد الرحمن بن سابط: يُدَبِّر أمر الدنيا أربعة أملاك: جبريل، وهو موكل بالرِّياح والجنود. وميكائيل، وهو موكل بالقطر والنبات. وملك الموت، وهو موكل بقبض الأنفس. وإسرافيل، وهو يَنزل بالأمر عليهم. وقيل: بل جبريل للوحي، وإسرافيل للصور. وقال ابن قتيبة: فالمدبِّرات أمراً: تنزل بالحلال والحرام.فإن قيل: أين جواب هذه الأقسام، فعنه جوابان.أحدهما: أن الجواب قوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى}، قاله مقاتل.والثاني: أن الجواب مضمر، تقديره: لَتُبْعَثُنَّ وَلَتُحاسَبُنَّ، ويدل على هذا قوله تعالى: {أئذا كنا عِظَاماً نَخِرَةً} قاله الفراء.قوله تعالى: {يوم تُرجف الراجفة}، وهي النفخة الأولى التي يموت منها جميع الخلائق. و{الراجفة} صيحة عظيمة فيها تردُّدٌ واضطراب كالرعد إذا تمحض. و{ترجف} بمعنى: تتحرَّك حركة شديدةً {تتبعها الرادفة} وهي: النفخة الثانية ردفت الأولى، أي: جاءت بعدها. وكل شيء جاء بعد شيءٍ فهو يردفه {قلوب يومئذ واجفة} أي: شديدة الاضطراب لما عاينت من أهوال القيامة، {أبصارها خاشعة} أي: ذليلةٌ لمعاينة النار. قال عطاء: وهذه أبصار من لم يمت على الإسلام. ويدل على هذا أنه ذَكَرَ منكري البعث، فقال تعالى: {يقولون أئنا لمردودون في الحافرة} قرأ ابن عامر وأهل الكوفة {أئنا} بهمزتين مخففتين على الاستفهام، وقرأ الباقون بتخفيف الأولى وتليين الثانية، وفصل بينهما بألف نافع وأبو عمرو.وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.أحدها: أن الحافرة: الحياة بعد الموت. فالمعنى: أنرجع أحياءً بعد موتنا؟! وهذا قول ابن عباس، وعطية، والسدي. قال الفراء: يعنون: أَنُرَدُّ إلى أمرنا الأول إلى الحياة؟! والعرب تقول: أتيت فلاناً، ثم رجعت على حافرتي، أي: رجعت من حيث جئت. قال أبو عبيدة: يقال: رجع فلان في حافرته، وعلى حافرته: إذا رجع من حيث جاء، وهذا قول الزجاج.والثاني: أنها الأرض التي تحفر فيها قبورهم، فَسُمِّيت حافرةً، والمعنى: محفورة، كما يقال {ماء دافق} [الطارق: 6] و{عيشة راضية} [الحاقة: 21] وهذا قول مجاهد، والخليل. فيكون المعنى: أئنا لمردودون إلى الأرض خلقاً جديداً؟!قال ابن قتيبة: {في الحافرة} أي: إلى أول أمرنا.